في زاوية مهملة على جنبات الطريق، ظل حمدي ملقى لأيام، بملابسه التي تغيرت ملامحها، حتى أصبحت كالقمامة، ووجه تحول إلى اللون الأسود، وجسد هزل بعد أن أنهكه الإدمان لسنوات، أصابته جلطة في قدمه، أفقدته القدرة على الحركة، تورمت قدماه وكاد أن يفقد حياته، التي سبق أن فقدها بالفعل، حتى تدخل أحدهم وغير الأمور إلى النقيض تماماً.
"كنت شيف تخصصي إيطالي وفرنساوي، وجالي عقد في الإمارات، سافرت وقعدت 5 سنين، لحد ما جالي تليفون حياتي اتغيرت من بعده"، بدأ حمدي في سرد قصته، وكيف سقط فريسة للإدمان؟ قائلاً: "والدتي قالتلي إن أخويا أدمن البودرة، ولازم تنزل علشان نشوفله حل في علاجه، ورغم إن ناس كتير قالتلي متنزلش ومفيش فايدة فيه، نزلت علشان مكنش ينفع لما والدتي تتصل أتجاهلها ودا أخويه".
بعين ملأتها الحسرة مليئة بالدموع، أضاف: "خدت إجازة ونزلت، وكنت جاهل معنديش ثقافة إني أوديه مستشفى أو مصحة يتعالج، فكل اللي عملته إني فضيت البيت عندي، وقولت أخده أعالجه، وأخده نجيب عصائر وأكل والكلام دا وأخليه يبتعد عن المخدرات، فهو أقنعني إننا ناخد كمية من المخدرات الهيروين صغيرة بحيث إنه مينسحبش مرة واحدة فيجيله هبوط فيتوفى وأنا صدقته ودا حصل وخدنا الكمية دي وبعدين متعرفش خيابة بقى حب استطلاع، جربت وبدل ما أعالجه نزلنا احنا الاتنين مدمنين"؟.
"بعدها خسرت كل حاجة، فضلت 7 سنين مدمن، بعد ما كان مرتبي كويس، ومعيش ولادي أحلى عيشة، بس كله راح، وأخويا اتوفى، وعملت مشاكل مع أهلي وولادي سابوني، وأهلي سابوني والناس كها نفرت مني، لحد ما جبت قاع بلغة المدمنين، قاع نفسي واجتماعي وصحي"، أنا قعدت شهور في الشارع كانت بالنسبالي سنين، كنت بنام في أي حتة بفضل أمشي وكل ما أتعب أقعد اي حتة، كل همي أوفر المخدرات".
تنهد وتابع: "كنت بتمنى الموت في كل مرة كنت بتعاطى فيها، كان نفسي أحصل أخويا، ورغم إني مبقتش لاقي آكل وبقيت مرمي في الشارع كان دايما في طريقة أوصل للمخدرات، حد عاوز يجيب ومش عارف الطريق أجيبله وأضرب المخدرات سهلة في الشارع".
داخل مؤسسة معاً لإنقاذ إنسان، عادت حياة الشيف حمدي إليه، واستعاد عافيته، وتخلص إدمانه وتحول من نزيل إلى مسؤول المطبخ بالمؤسسة، "ناس كتير بتقولي أنت عندك إرادة، لأن حسب كلام الأطبة كان زماني قاعد على كرسي بعجل، بس الإراداة مجتش من غير الأمل اللي أدهولي هنا، بعد ما أهلي رموني وكل اللي يعرفوني رموني في الشارع، لحد ما المؤسسة جت خدتني، ومكانوش يعرفوا إني مدمن".
استعاد أنفاسه وعادت الإشراقة إلى وجهه وتابع: "أنا حاليا متواصل مع أسرتي مراتي وولادي، وإن شاء الله هرجعلهم وأعوضهم، وعرفتهم إني بقيت بني آدم كويس، وإنسان محترم، بس حتى لما أرجعلهم إن شاء الله مش هسيب الدار، أنا حابب اللي بيعملوه". "أنا مثال قدامك شوف الغلط ممكن يعمل فيك إيه"، كلمات بدأ بها الشيف حمدي رسالته، للشباب، "لو فكرتوا تدمنوا، أو تجربوا، كدا هتقضي على حياتكم".
رسالة أخرى وجهها الشيف حمدي لأسرته، زوجته وأولاده، وأخرى لعائلته: "بالنسبة لمراتي وولادي حابب أرجعلهم وأعوضهم عن اللي فات وبقولهم أنا أسف أنا ظلمتكم، أما أهلي فقولهم "شكرا"، ومعنديش استعداد أرجعلهم، أنا وقفت مع ناس كتير فيهم وكانوا ملفوفين حواليا وانا في الإمارات وناس منهم كنت بديهم فلوس وهما قاعدين في البيت مش شغالين".
وتابع: "كلهم رموني، مفيش غير أختى كانت بتحاول توصلي بس مكانتش عارفالي طريق، ومعظم الناس كانت فكراني مت من المخدرات". واختتم: "رسالتي لمراتي وولادي أبوكوا بقى راجل محترم، وهيشرفكوا ويرفع راسكو، ومحدش تاني هيعايركوا بسببي أنا ضهركوا وسندكوا وإن شاء الله هعوضكم عن الغلط اللي أنا غلطته في حقكم".
للتواصل معنا 